المجلة | حــديث |عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ولا يدخل الجنة حتى يأمن جاره بوائقه". رواه أحمد.
يرشدنا هذا الحديث إلى ما فيه استقامة لإيمان العبد، فمن أراد لإيمانه أن يستقيم، فلا بد له من أن يجعل قلبه مستقيما، ومن أراد أن يتستقيم قلبه فلينظر إلى لسانه أولا فيحفظه من كل باطل ولغو عاطلاً وهذيان وكثير من المباح حتى يستقيم. فمدار الأمر إذن على اللسان إذا استقام وصل العبد إلى خالص الإيمان. فينبغي للمرء ألا يتكلم إلا فيما يرجو فيه الربح والزيادة في دينه، فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة نظر : هل فيها ربح وفائدة أم لا ؟ فإن لم يكن فيها ربح أمسك عنها . وإن كان فيها ربح نظر : هل تفوت بها كلمة أربح منها ؟ فلا يضيعها بهذه ، وإذا أردت أن تستدل على ما في القلب فاستدل عليه بحركة اللسان ، فإنه يطلعك على ما في القلب ، شاء صاحبه أم أبى . قال يحيى بن معاذ: (القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها) فانظر إلى الرجل حين يتكلم فإن لسانه يغترف لك بما في قلبه ، حلو وحامض، عذب وأُجاج، وغير ذلك، ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه أي كما تطعم لسانك طعم ما في القدور من الطعام فتدرك العلم بحقيقته ، كذلك تطعم ما في قلب الرجل من لسانه ، فتذوق ما في قلبه من لسانه ، كما تذوق ما في القدور بلسانك . وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس النار ؟ فقال الفم والفرج قال الترمذي : حديث صحيح . وقد سأل معاذ النبي صلى الله عليه وسلم عن العمل الذي يدخله الجنة، ويباعده من النار، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم برأسه وعموده وذروة سنامه، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قال: بلى يا رسول الله ، فأخذ بلسان نفسه ثم قال: كف عليك هذا: فقال: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكب الناس على وجوههم-أو على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم قال الترمذي : حديث حسن صحيح. ومن العجب : أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من الحرام والظلم والزنى والسرقة وشرب الخمر ، ومن النظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه ، حتى ترى الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالا ينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد مما بين المشرق والمغرب ، وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات ، ولا يبالي ما يقول . والكلمة التي يخرجها الإنسان من قلبه عن طريق لسانه قد ترفعه من الدرجات ما لا يعلمه إلا الله عز وجل وقد تهوي به في جهنم. ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقى لها بالاً يرفعه بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في نار جهنم . وفي جامع الترمذي أيضاً من حديث أنس قال: توفي رجل من الصحابة، فقال رجل: أبشر بالجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما يدريك؟ فلعله تكلم فيما لا يعنيه ، أو بخل بما لا ينقصه قال: حديث حسن. وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة يرفعه من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت . وفي اللسان آفتان عظيمتان، إن خلص من إحداهما لم يخلص من الأخرى: آفة الكلام ، وآفة السكوت ، وقد يكون كل منهما أعظم إثماً من الأخرى في وقتها ، فالساكت عن الحق شيطان أخرس ، عاص لله ، مراء مداهن إذا لم يخف على نفسه . والمتكلم بالباطل شيطان ناطق عاص لله ، وأكثر الخلق منحرف في كلامه وسكوته فهم بين هذين النوعين، وأهل الوسط-وهم أهل الصراط- كفوا ألسنتهم عن الباطل، وأطلقوا فيما يعود عليهم نفعه في الآخرة ، فلا ترى أحدهم يتكلم بكلمة تذهب عليه ضائعة بلا منفعة ، فضلاً أن تضره في آخرته ، وإن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال ، فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها ، ويأتي بسيئات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله وما اتصل به. فاللهم إنا نسألك العفو والعافية.

المزيد